Articles

حمد حسن التميمي: العزف على الشأن العام

حمد حسن التميمي

منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا كان الخداع من أجل تحقيق المآرب الشخصية باسم الدين أو المعرفة أو المبادئ الأخلاقية والإنسانية أمراً سائداً في جميع الأوساط. ومع تطور الحضارات البشرية على مر العصور، فإن وسائل الغش والضحك على الذقون ازدادت بشكل ملحوظ، حتى بتنا اليوم نملك من الأدوات المساعدة على خداع الآخرين ما لا يعد ولا يحصى في ظل انتشار الإنترنت ومنصات التواصل.

لا شك أن الحياة البشرية تنطوي على الخير والشر، وهذا ما يؤدي إلى بروز أشخاص ذوي قلوب بيضاء في كل زمان ومكان، في مقابل ظهور أشخاص سامين لا غاية لهم في الوجود سوى الكسب على أكتاف الآخرين، وتحقيق مصالحهم الذاتية على حساب حريات الغير وأمنهم وسلامهم.

أمام هذا الواقع الذي لا مهرب منه حتى آخر يوم في تاريخ الإنسانية، لا بد أن ندرك الألاعيب التي تحاك ضدنا، وأن نكون على بينة من المؤامرات والإعلام الأصفر والإشاعات المغرضة، وحتى بعض الدعوات الأخلاقية التي لا يراد من خلالها سوى كسب المال وتحقيق مكاسب سياسية أو أيديولوجية أو شخصية معينة.

وبما أن الإنسان قادر على التفكير في طرق بديلة للحصول على مراده، بفضل العقل الذي وهبه الله إياه، والذي من المفترض أن يستخدمه من أجل الخير لا الشر؛ فإن الخداع سمة متأصلة في الشخص المخادع الذي يحاول كسب مراده بشتى الوسائل والطرائق، حتى إذا أخفق في الوصول إلى ما يريده بدأ في العزف على الشأن العام بمنظور أخلاقي خادع، بينما يخفي خلف الستار نواياه الخبيثة.

نفس الشيء ينطبق على بعض المؤسسات الخيرية والدول التي تروج لقيم السلام والمحبة والأخلاق السامية، وبأنها تهدف في المقام الأول إلى النهوض بالإنسان، ومساعدة المحتاجين، وتعميق أواصر المحبة العالمية؛ في حين أن أجنداتها الحقيقية تخفي مصالح معينة لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بما تروّج له في العلن.

وعلى مستوى حياتك الاجتماعية والمهنية، ستلتقي دون شك بأناس حين يعجزون عن تحقيق المكاسب الخاصة، فإنهم يلجؤون إلى التحايل والمراوغة والتمثيليات المسرحية في سبيل الوصول إلى مرادهم. أمثال هؤلاء خطرون عليك إلى أبعد الحدود، ولا فائدة من نصحهم أو محاولة إصلاحهم، لأن النفاق عشش في قلوبهم وعقولهم فلم تعد تنفع معهم نصيحة إلا من رحم ربي.

كل ما عليك فعله عندما تكتشف أن أحدهم لا يريد منك سوى مصلحة خاصة، بمعنى أنه لا يحبك إلا لأنك تلبي لديه رغبة أو حاجة معينة، وحين تنقضي تلك الحاجة أو الرغبة فإنه يجددها بأخرى أو يبتعد عنك كأنه لم يعرفك يوماً؛ أن تتعامل معه برسمية شديدة، ولا تسمح له بالتقرب منك مهما حاول، وتضع خطوطاً حمراء لا تتنازل عنها على الإطلاق.

للأسف الشديد، كثير من أصحاب القلوب الطيبة يقعون ضحايا للسان المخادعين المعسول، وتمثيليات المنافقين التي توحي بالطيبة والمحبة. لهذا عليك أن تكون واعياً ويقظاً أثناء تعاملك مع الآخرين لتتمكن من اشتمام رائحة النفاق والكذب حتى لو غلفها صاحبها بألف قناع وقناع.في داخل كل إنسان فينا مستشعرات ذاتية تخبره بأن هناك أمراً ما ليس في محله. ابتداء من الكلام المحكي وصولاً إلى حركات الجسد التي تفضح صاحبها، بوسعك أن تستشف الحقيقة وتدرك ما إذا كان الشخص المقابل يحاول خداعك فتوقفه عند حده على الفور.لا تمنح أي أحد في العالم سطوة عليك، ولا تعط مفاتيح قلبك بالكامل لأي إنسان، ولا تقرب المسافات أكثر من اللازم، بل ابقَ دوماً على بُعد مناسب يضمن سلامتك من أي عدوان أو أذى محتمل، ودع جميع من تعرفهم يدركون أنك شخص قوي لا يمكن الضحك عليه أو استغلاله أبداً؛ لأنه يحكّم عقله قبل مشاعره، ولأنه قادر بكل سهولة على كشف المخادعين أصحاب المصالح النرجسية الذاتية.

كاتب قطري

Instagram: @hamadaltamimiii

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *